ملاك الصبر .. ؟؟
جمعهما حب عنيف منذ الطفولة، وحين بلغا سن الرشد تزوجا. كان وحيداً للأبوين ثريين ابتاعا له منزلاً أشبه بالقصر. انتظر مع عروسه طفلهما الأوّل على أحر من الجمر؛ ليملأ فضاء المنزل الواسع بضحكاته وصراخه، وانتظره معها الأهل وسكان القرية جميعاً. مضت ثلاثة أعوام على الإنتظار المر من دون أن تلوح في الأفق بارقة أمل. ذهبا إلى الطبيب، وهناك فوجئ الأب بأنّ العلة فيه، فاستكان للحزن بعد أن تبخرت أحلامه فوق نار القدر الطاغية. أما زوجته الشابة الجميلة فقد نهضت قبالته تمسح عن وجهه غلالة الهم، وعن روحه مرارة اليأس، وتوجِّهُ بصره نحو مصادر السعادة الأخرى قائلة له: "سأبقى معك حبيبة ورفيقة إلى الأبد". بدأت مشاعره الأبوية تتحرك نحو ابن شقيقته اليتيم، فأغدق عليه المال والعاطفة، وهيأ له التعليم في أفضل المدارس والجامعات، حتى تخرج وصار محامياً ناجحاً وشهيراً. كان سعيداً بعطائه، لكن ذلك لم يكن ليمنعه هو وزوجته من أحاسيس الألم كلما لاح لهما طفل يلعب ويمرح بين أبويه، ولم يتوقعا أن يكون الغيب قد خبأ لهما مفاجأة تحاكي الخيال.. في أحد المطاعم التقى الزوج مصادفة صديقه القديم الذي صار طبيباً في الأمراض التناسلية، وحين روى له محنته مع الإنجاب قال له: "هناك أمل بنسبة واحد إلى عشرة؛ إذا خضعت وزوجتك لعلاج قاسٍ بعض الشيء". وافق الزوجان على الفور، فلم يكن هناك ما يخسرانه من التجربة. بعد ثلاثة شهور بدأت أعراض الحمل تظهر على الزوجة، وعلى الرغم من تأكيد الطبيب أنها حامل فقد ظلت الشكوك تملأ قلبها وقلب زوجها، حتى أتمت تسعة أشهر، وجاءها المخاض، وولدت توأمين بنتين. كانت مشاعر فرحهما عصية على الوصف.. الآن تبدلت حياتهما تماماً، خرقت أصوات الطفلتين صمت البيت، وضحكت الأشجار والأزهار في الحديقة، وعادهم الأهل والأصحاب يشاركونهما الفرح والسعادة. كبرت الطفلتان، ودخلتا دار الحضانة، ومن ثمّ روضة الأطفال، فالمدرسة الإبتدائية، وتعلمتا اللغات والفنون المختلفة. كان طبيبهما الصديق قد عاد من سفر طويل، وحين زارهما ورأى سعادتهما عرض عليهما إعادة التجربة. فكر الزوجان قليلاً، ثمّ قالا له: "هل مازالت نسبة النجاح على حالها؟"، فقال: "نعم"، فأعادا التجربة، وكانت النتيجة أن أنجبت المرأة ثلاثة توائم: طفلين وطفلة. جلس الرجل على طرف سرير زوجته، ونظر إليهما بشغف ذكّرها بنظراته عندما بدأت قصة حبهما قبل خمس وثلاثين سنة، وهمس لها: "أنت ملاك الصبر"، واغرورقت عيناه بالدموع.