الوجه الأول : التفريق بينهما بالإبلاغ :
قال ابن أبي العز الحنفي في شرح الطحاوية (ص/158) : (وقد ذكروا فروقا بين النبي والرسول ، وأحسنها . أن من نبأه الله بخبر السماء ، إن أمره أن يبلغ غيره ، فهو نبي رسول ، وإن لم يأمره أن يبلغ غيره ، فهو نبي وليس برسول . فالرسول أخص من النبي ، فكل رسول نبي ، وليس كل نبي رسولا ، ولكن الرسالة أعم من جهة نفسها ، فالنبوة جزء من الرسالة ، إذ الرسالة تتناول النبوة وغيرها ، بخلاف الرسل ، فإنهم لا يتناولون الانبياء وغيرهم ، بل الامر بالعكس . فالرسالة أعم من جهة نفسها ، وأخص من جهة أهلها ).
قال السفاريني في اللوامع (1/49-50) : ( لفظ النبي قال في المطلع يهمز ولا يهمز فمن جعله من
النبأ همزه لأنه ينبئ الناس عن الله ولأنه ينبأ هو بالوحي ومن لم يهمز فإما سهله وإما أخذه من النبوة وهي الرفعة لارتفاع منازل الأنبياء على الخلق ، وقيل مأخوذ من النبي الذي هو الطريق لأنهم الطرق الموصلة إلى الله تعالى . وهو إنسان أوحى إليه بشرع وإن لم يؤمر بتبليغه فإن أمر بتبليغه فهو رسول أيضا على المشهور بين النبي والرسول عموم وخصوص مطلق ، فكل رسول نبي وليس كل نبي رسولا . والرسول أفضل من النبي اجماعا لتميزه بالرسالة التي هي أفضل من النبوة على الأصح خلافا لابن عبد السلام ووجه تفضيل الرسالة لأنها تثمر هداية الأمة والنبوة قاصرة على النبي فنسبتها إلى النبوة كنسبة العالم إلى العابد ، ثم أن محل الخلاف فيهما مع اتحاد محلهما وقيامهما معا بشخص واحد أما مع تعدد المحل فلا خلاف في أفضلية الرسالة على النبوة ضرورة جمع الرسالة لها مع زيادة) .
قال ابن حجر في الفتح (11/112) : (قال القرطبي إن لفظ النبوة والرسالة مختلفان في أصل الوضع
فإن النبوة من النبأ وهو الخبر فالنبي في العرف هو المنبأ من جهة الله بأمر يقتضي تكليفا وإن أمر بتبليغه إلى غيره فهو رسول وإلا فهو نبي غير رسول وعلى هذا فكل رسول نبي بلا عكس فإن النبي والرسول اشتركا في أمر عام وهو النبأ وافترقا في الرسالة فإذا قلت فلان رسول تضمن انه نبي رسول وإذا قلت فلان نبي لم يستلزم انه رسول) .
قال المناوي في فيض القدير (1/16) : (المشهور بين الفقهاء ما ذكره الحليمي من التغاير وأن الفارق الأمر بالتبليغ ) .
قال الشيخ العثيمين في شرح الواسطية (ص/25) : (الحاصل أن محمداً r رسول الله وخاتم النبيين، ختم الله به النبوة والرسالة أيضاً، لأنه إذا انتفت النبوة، وهي أعم من الرسالة، انتفت الرسالة التي هي أخص، لأن انتفاء الأعم يستلزم انتفاء الأخص، فرسول الله عليه الصلاة والسلام هو خاتم النبيين) ، وقال في (ص/27) : (والرسول عند أهل العلم: "من أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه").
وهذا الوجه في التفريق بعيد .
قال الشنقيطي في أضواء البيان (5/735) : (ما أشهر على ألسنة أهل العلم، من أن النَّبي هو من أوحى إليه وحي، ولم يؤمر بتبليغه، وأن الرسول هو النَّبي الذي أوحى إليه، وأمر بتبليغ ما أوحى إليه غير صحيح، لأن قوله تعالى {وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِىٍّ}. يدل على أن كلاً منهما مرسل، وأنهما مع ذلك بينهما تغاير) ومقصود كلامه – رحمه الله – أن الإرسال للنبي والرسول يقتضي التبليغ وعدم الكتمان .
وقد استبعد الأشقر في رسالته الرسل والرسالات (ص/14-15) هذا الوجه من المغايرة وزيفه من عدة وجوه :
الأول : أن الله نص على أنه أرسل الأنبياء كما أرسل الرسل في قوله : (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيّ ...)(الحج: من الآية52) فإذا كان الفارق بينهما هو الأمر بالبلاغ فالإرسال يقتضي من النبي البلاغ .
الثاني : أن ترك البلاغ كتمان لوحي الله تعالى ، والله لا ينـزل وحيه ليكتم ويدفن في صدر واحد من الناس ، ثم يموت هذا العلم بموته .
الثالث : قول الرسول صلى الله عليه وسلم : (عرضت علي الأمم فرأيت النبي ومعه الرهط والنبي ومعه الرجل والرجلان ، والنبي وليس معه أحد ...) – متفق عليه – فدل هذا على أن الأنبياء مأمورون بالبلاغ وأنهم يتفاوتون في مدى الاستجابة لهم . اهـ كلام الأشقر .
الوجه الثاني التفريق بينهما بكيفية الوحي :
قال القرطبي في تفسيره(12/80) : (وقال الفراء الرسول الذي أرسل إلى الخلق بإرسال جبريل عليه السلام إليه عيانا والنبي الذي تكون نبوته إلهاما أو مناما) .
وهذا الوجه في التفريق من أضعف الوجوه :
وردّه الماوردي في أعلام النبوة (ص/33) حيث قال تحت عنوان كيفية بعثة الرسل ما ملخصه : (فإذا ثبت جواز النبوات وبعثة الرسل بالعبادات فهم رسل الله تعالى إلى خلقه إما بخطاب مسموع أو بسفارة ملك منزل ، ثم نقل عن قوم أنهم قالوا : صاروا أنبياء بالإلهام لا بالوحي ، ثم قال : وهذا فاسد من وجهين : أحدهما أن ما بطل به إلهام المعارف في التوحيد كان إبطال المعارف به في النبوة أحق والثاني أن الإلهام خفي غامض يدعيه المحق والمبطل فإن ميزوا بينه طلبت أمارة وإن عدلوا عن الإلهام فذلك دليل يبطل الإلهام ) .
وقال ابن حجر في الفتح (1/20) : (والرؤيا الصادقة وأن كانت جزءا من النبوة فهي باعتبار صدقها لا غير وإلا لساغ لصاحبها أن يسمى نبيا وليس كذلك) .
و هذا الوجه من التفريق لا دليل عليه بل إن ظاهر القرآن والسنة يخالفاه فمن ذلك :
قوله تعالى : (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُوراً) (النساء:163) ، وقال تعالى : (كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (الشورى:3) فهاتان الآيتان تدلان على أن الوحي إلى جميع الأنبياء والرسل لا تباين فيه ، قال ابن حجر في الفتح (الوحي إليه نظير الوحي إلى الأنبياء قبله ... وقال : الوحي إلى الأنبياء لا تباين فيه ) . وقد وروى أبو نعيم في ( الدلائل ) بسند حسنه ابن حجر في الفتح ، عن علقمة بن قيس قال : ( إن أول ما يؤتى به الأنبياء في المنام حتى تهدأ قلوبهم ثم ينزل الوحي بعد في اليقظة )
وروى أحمد (1/278) ، والطيالسي (2731) عن شهر بن حوسب عن ابن عباس رضي الله عنهما في سؤال اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم من وليك من الملائكة فعندها نجامعك أو نفارقك قال فإن ولي جبريل عليه السلام ولم يبعث الله نبيا قط إلا وهو وليه) وقد ورد في بعض طرقه عند أحمد (1/274) عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: (ليس من نبي إلا له ملك يأتيه بالخبر فأخبرنا من صاحبك قال جبريل عليه السلام ) وهذا الحديث حسنه الأرناؤوط بالشواهد .
وهذه الأدلة قوية في إبطال هذا التفريق وأنه لا بد لثبوت النبوة من ولاية جبريل عليه السلام مع الرؤيا الصادقة وقد يختص الله بعض الأنبياء مع ذلك بالتكليم بغير واسطة كسيدنا موسى ومحمد عليهما السلام ، وأما تخصيص الأنبياء ببعض هذه الطرق والأنبياء ببعض فتحكم لا دليل عليه كما أنه في مقابلة النصوص .
فائدة : بيان أن الوحي الخاص لا يستلزم النبوة :
قال تعالى : (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ
عَلِيٌّ حَكِيمٌ) (الشورى:51) فقد حصر سبحانه وتعالى في هذه الآية أوجه تكليمه للبشر وبعض مفرداتها ثابت لغير الأنبياء فلا يلزم من ثبوت بعض طرق الوحي ثبوت النبوة .
ومن الأمثلة على ذلك :
1- الوحي إلى أم موسى عليه السلام :
قال تعالى : (وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوت)(طـه: 37 -39) فهذا وحي خاص إلى أم موسى ولم يثبت به نبوتها ، قال الشنقيطي في أضواء البيان (4/439) : (أوحى إلى أمه أي ألهمها وقذف في قلبها، وقال بعضهم: هي رؤيا منام. وقال بعضهم: أوحى إليها ذلك بواسطة ملك كلمها بذلك. ولا يلزم من الإيحاء في أمر خاص أن يكون الموحي إليه نبيا) .
2- إثبات التحديث (الإلهام) لغير الأنبياء :
روى البخاري وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لقد كان فيما قبلكم من الأمم ناس محدثون فإن يك في أمتي أحد فإنه عمر زاد زكرياء بن أبي زائدة عن سعد عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال النبي صلى الله عليه وسلم لقد كان فيمن كان قبلكم من بني إسرائيل رجال يكلمون من غير أن يكونوا أنبياء فإن يكن من أمتي منهم أحد فعمر ).
قال ابن حجر في الفتح (7/50) : (قوله محدثون بفتح الدال جمع محدث واختلف في تأويله فقيل ملهم قاله الأكثر قالوا المحدث بالفتح هو الرجل الصادق الظن وهو من ألقى في روعه شيء من قبل الملأ الأعلى فيكون كالذي حدثه غيره به وبهذا جزم أبو احمد العسكري وقيل من يجري الصواب على لسانه من غير قصد وقيل مكلم أي تكلمه الملائكة بغير نبوة وهذا ورد من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعا ولفظه قيل يا رسول الله وكيف يحدث قال تتكلم الملائكة على لسانه رويناه في فوائد الجوهري وحكاه القابسي وآخرون ويؤيده ما ثبت في الرواية المعلقة ويحتمل رده إلى المعنى الأول أي تكلمه في نفسه وان لم ير مكلما في الحقيقة فيرجع إلى الإلهام) .
3- ثبوت رؤية الملك وتكليمه لمن ليسوا بأنبياء :
قال الأشقر في (عالم الملائكة الأبرار) (ص/44) : (ليس كل من جاءه ملك يعد رسولاً أو نبياً ، فهذا وهم فالله قد أرسل جبريل إلى مريم ،كما أرسله إلى أم إسماعيل عندما فقد الماء والطعام منها ، ورأى الصحابة جبريل في صورة أعرابي ، وأرسل الله ملكاً إلى ذلك الرجل الذي زار أخاً له في الله يبشره بأن الله يحبه لحبه لأخيه ...، وهذا كثير وإنما المراد التنبيه ) .
الوجه الثالث في التفريق بأن الرسول من بعث لقوم مخالفين ، والنبي من بعث لقوم موافقين :
قال تقي الدين في النبوات (ص/172 : 174) : ( فالنبي هو الذي ينبئه الله وهو ينبئ بما أنبأ الله به فإن أرسل مع ذلك إلى من خالف أمر الله ليبلغه رسالة من الله إليه فهو رسول وأما إذا كان إنما يعمل بالشريعة قبله ولم يرسل هو إلى أحد يبلغه عن الله رسالة فهو نبي وليس برسول قال تعالى { وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقي الشيطان في أمنيته }وقوله {من رسول ولا نبي} فذكر إرسالا يعم النوعين وقد خص أحدهما بأنه رسول فان هذا هو الرسول المطلق الذي أمره بتبليغ رسالته إلى من خالف الله كنوح . وقد ثبت في الصحيح أنه أول رسول بعث إلى أهل الأرض وقد كان قبله أنبياء كشيث وإدريس ـ عليهما السلام _ وقبلهما آدم كان نبيا مكلما قال ابن عباس كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الاسلام ، فأولئك الانبياء يأتيهم وحي من الله بما يفعلونه ويأمرون به المؤمنين الذين عندهم لكونهم مؤمنين بهم كما يكون أهل الشريعة الواحدة يقبلون ما يبلغه العلماء عن الرسول . وكذلك أنبياء بني اسرائيل يأمرون بشريعة التوراة وقد يوحى إلى أحدهم وحي خاص في قصة معينة ولكن كانوا في شرع التوراة كالعالم الذي يفهمه الله في قضية معنى يطابق القرآن كما فهم الله سليمان حكم القضية التي حكم فيها هو وداود . فالأنبياء ينبئهم الله فيخبرهم بأمره ونهيه وخبره وهم ينبئون المؤمنين بهم ما أنبأهم الله به من الخبر والأمر والنهي فإن أرسلوا إلى كفار يدعونهم إلى توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له ولا بد أن يكذب الرسل قوم قال تعالى {كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول الا قالوا ساحر أو مجنون} وقال {ما يقال لك الا ما قد قيل للرسل من قبلك} فان الرسل ترسل إلى مخالفين فيكذبهم بعضهم . وقال تعالى : "وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلَا تَعْقِلُونَ(109)حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ " { انا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد }فقوله {وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي } دليل على أن النبي مرسل ولا يسمى رسولا عند الإطلاق لانه لم يرسل إلى قوم بما لا يعرفونه بل كان يأمر المؤمنين بما يعرفونه أنه حق كالعلم ولهذا قال النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ـ " العلماء ورثة الانبياء " وليس من شرط الرسول أن يأتي بشريعة جديدة فان يوسف كان رسولا وكان على ملة ابراهيم وداود وسليمان كانا رسولين وكانا على شريعة التوراة قال تعالى عن مؤمن آل فرعون { ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فما زلتم في شك مما جاءكم به حتى اذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا } وقال تعالى { انا أوحينا اليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى ابراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوب والاسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود زبورا . ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليما } ) .
وهذا الذي ذكره شيخ الإسلام إنما يشكل عليه ما سبق من تقرير نبوة آدم وشيث عليهما السلام وهم كانوا قبل نوح بلا نزاع مع أن هذه الفترة بين آدم ونوح وهي عشرة قرون كانت على الإسلام والشريعة كما ذكر هم وثبت عن ابن عباس موقوفا عليه عند الطبري والحاكم .
الوجه الرابع التفريق بينهما بالكتاب ، فالنبي ليس معه كتاب والرسول معه كتاب :
قال النسقي في تفسيره (3/108) ك (وقال النسفي ـ رحمه الله ـ : ( … وسئل النبى صلى الله عليه وسلم عن الانبياء فقال مائة الف وأربعة وعشرون ألفا فقيل فكم الرسل منهم فقال ثلثمائة وثلاثة عشر والفرق بينهما أن الرسول من جمع إلى المعجزة الكتاب المنزل عليه والنبى من لم ينزل عليه كتاب وإنما أمر ان يدعو إلى شريعة من قبله) .
قال الشنقيطي في أضواء البيان (5/735) : (قال تعالى { وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي } الآية . يدل على أن كلا منهما مرسل ، وانهما مع ذلك بينهما تغاير واستظهر بعضهم أن النبي الذي هو رسول أنزل إليه كتاب وشرع مستقل مع المعجزة التي ثبتت بها نبوته ، وأن النبي المرسل الذي هو غير الرسول ، وهم من لم ينزل عليه كتاب وإنما وأوحي إليه أن يدعو الناس إلى شريعة رسول قبله ، كأنبياء بني إسرائيل الذين كانوا يرسلون ويؤمرون بالعمل بما في التوراة ، كما بينه تعالى بقوله : { يحكم بها النبيون الذين أسلموا } الآية ) .
قال المناوي في فيض القدير (1/15) : (قال الزمخشري : الرسول من الأنبياء من جمع إلى المعجزة الكتاب المنزل عليه ، والنبي غير الرسول من لم ينزل عليه كتاب ، وإنما أمر أن يدعو إلى شرع من قبله ) .
وهذا الوجه في التفريق ضعيف لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال أن عدد الرسل ثلاثمائة وخمسة عشر رسولا ، وثبت عنه بالطرق أنه قال في حديث أبي ذر رضي الله عنه أنه قال : قلت يا رسول الله كم كتابا أنزله الله قال مائة كتاب وأربعة كتب أنزل على شيث خمسون صحيفة وأنزل على أخنوخ ثلاثون صحيفة وأنزل على إبراهيم عشر صحائف وأنزل على موسى قبل التوراة عشر صحائف وأنزل التوراة والإنجيل والزبور والقرآن ) ، فحدثي أبي ذر يلزم منه على هذا القول حصر الرسل فيمن ذكر من أصحاب الصحف ، وهذا يخالف حديث أبي أمامة في أن عدد الرسل ثلاثمائة وخمسة عشر رسولا .
الوجه الخامس في التفريق بينهما بالإتيان بالشرع الجديد فالنبي يأتي مجدداً لشرع رسول قبله ، والرسول يأتي بشرع جديد :
وهذا الوجه أعم من سابقه فقد يكون الشرع الجديد عن طريق كتاب أو بالوحي من غير إرسال كتاب .
قال النسفي في تفسيره (3/108) ك (وقال النسفي ـ رحمه الله ـ : ( … وسئل النبى صلى الله عليه وسلم عن الانبياء فقال مائة الف وأربعة وعشرون ألفا فقيل فكم الرسل منهم فقال ثلثمائة وثلاثة عشر والفرق بينهما أن الرسول من جمع إلى المعجزة الكتاب المنزل عليه والنبى من لم ينزل عليه كتاب وإنما أمر ان يدعو إلى شريعة من قبله وقيل الرسول واضع شرع والنبى حافظ شرع غيره ) .
وقال الشيخ عبدالرزاق عفيفي في مجموع الفتاوى والرسائل (2/79) : ( النبي : مشتق من النبأ ، بمعنى : الخبر ، فإذا كان المراد أنه يخبر أمته بما أوحى الله إليه ، فهو فعيل ، بمعنى : فاعل ، وإن كان المراد أن الله يخبره بما يوحى إليه ، فهو فعيل ، بمعنى : مفعول ، ويصح أن يكون مأخوذا من النبء ( بالهمزة وسكون الباء ) ، أو النبوة ، أو النباوة ( بالواو ) ، وكلها بمعنى : الارتفاع والظهور ، وذلك لرفعة قدر النبي ، وظهور شأنه ، وعلو منزلته . والفرق بين النبي والرسول : أن الرسول من بعثه الله إلى قوم ، وأنزل عليه كتابا ، أو لم ينزل عليه كتابا لكن أوحى إليه بحكم لم يكن في شريعة من قبله ؛ والنبي من أمره الله أن يدعو إلى شريعة سابقة دون أن ينزل عليه كتابا ، أو يوحى إليه بحكم جديد ناسخ أو غير ناسخ ، وعلى ذلك ، فكل رسول نبي ولا عكس , وقيل : هما مترادفان ، والأول أصح . ) (1 )
وقال الأشقر في رسالته الرسل والرسالات (ص/15) : (والتعريف المختار أن الرسول من أوحي إليه بشرع جديد والنبي هو المبعوث لتقرير شرع من قبله ) .
وقد ردّ شيخ الإسلام هذا القول حيث قال في النبوات (ص/173) : (وليس من شرط الرسول أن يأتي بشريعة جديدة فان يوسف كان رسولا وكان على ملة ابراهيم وداود وسليمان كانا رسولين وكانا على شريعة التوراة قال تعالى عن مؤمن آل فرعون { ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فما زلتم في شك مما جاءكم به حتى اذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا } وقال تعالى { انا أوحينا اليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى ابراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوب والاسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود زبورا . ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليما } ) .
إلا أن ما قاله رحمه الله لا يشكل على هذا القول لإمكان حمل معني الرسول فيما ذُكِرَ على المعنى اللغوي لا على المعنى الشرعي ، قال المناوي في فيض القدير (1/15) : (وقال الشيباني في شرح الفقه الأكبر: الرسول من بعث بشرع مجدد والنبي يعمه ومن بعث بتقرير شرع سابق كأنبياء بني إسرائيل الذين بين موسى وعيسى ومن ثم شبه النبي صلى الله عليه وسلم علماء أمته بهم. قال: فإن قيل كيف يصح هذا وقد قال تعالى{ولقد أتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل} وقد بين ذلك في الكشاف بالأنبياء بين موسى وعيسى. قلت: لعل المراد بالرسل في الآية المعنى اللغوي) .