الغبار الاحمر يلف الاجواء حول القاعدة المريخية "آريوس 2"، لكنه لن يؤثر على أداء "شبكة انترنت المنظومة الشمسية (Solar System Web SSW)، ولا ينقص من تمتعي بالسياحة الافتراضية على شاشة كومبيوتري فلا زلت انتقل بين وهاد الكوكب الاحمر دون تقطع وكأنني هناك، كشأن أي عضو في البعثة الارضية إلى المستعمرات المريخية.
بضعة أحرف ارصفها أضغط على زر "ادخال" (Enter)، وسأنتقل الآن إلى موقع SSW.europa-jupiter.plt لأشاهد السطح الجليدي لقمر اوروبا حول كوكب المشتري واتحسس بقفازات الملامسة عبر الانترنت صخوره الباردة. ان منظومتنا الشمسية غدت حقاً "قرية كونية" بفضل خدمة "الانترنت عبر كواكب المنظومة (SolarNet) أو "شبكة انترنت ما بين الكواكب (Interplanetary Internet)، التي قد تصبح قريباًَ خدمة انترنت كوانتي بين النجوم (Interstallar Net) فتسهل إبحارنا إلى ما وراء تخوم عالمنا الشمسي واستعمارنا للفضاء.
انه استشراف مستقبلي من وحي "ستار تريك" (Star Treck)، بيد انه واقع علمي يعكف الخبراء على تجسيده. إن آفاق تنامي شبكة الانترنت لا حدود لها كما تدل الابحاث الجارية اليوم لتطويرها وتوسيع قدراتها، ويكفي إلقاء الضوء على مشروع تطوير الشبكة العالمية عالية السرعة "انترنت 2" (Internet 2) بقدراتها الهائلة لمعرفة التطلعات المستقبلية للتواصل بين الكواكب، وربما بين النجوم، فما جديد هذا المشروع الكبير؟
انترنت 2 سريع ولكن...
دقيقتان وبضع ثوان كافية ليقوم الباحث آلان كروسويل بتحميل ما يزيد على 500 ميغايايت من بيانات "لينوكس" (Linux) من مزوّدات في "جامعة ديوك" (Duke) على كومبيوتره العادي في مكتبه المتواضع بجامعة كولومبيا حيث يدير شبكتها الكومبيوترية، وهي مهمة تستغرق عادة بضع ساعات. وبعد ذلك، يتابع كروسويل على شاشته وبكل متعة فصولاً لتعلم الكمان عبر ندوة فيديوية بنسبة وضوح مرئي وصوتي عالية، تتيح للأستاذ في كندا والطالب في نيويورك الإلمام بدقائق الامور. لا شيء خارقاً في كومبيوتر كروسويل، لكن كيف تسنى له ذها الدفق الهائل للبيانات؟ الجواب بسيط، حيث أن الجامعة كولومبيا تملك ولوجاً إلى شبكة أقوى وأسرع - إنها شبكة "إنترنت 2" (Internet 2). فما هي هذه الانترنت الاخرى؟
لقد بدأ مشروع Internet 2 في العام 1996 على يد أكاديميين في جامعات ومعاهد أبحاث كنموذج غير تجاري، على بداية الانترنت خلال الستينيات من القرن الماضي بترابط بضع جامعات عبر شبكة "أربانت" (ARPANET). وكشأن "انترنت 1" (Internet 1)، التي نستخدمها اليوم، تشمل 2 internet على "مزودات (Servers)، وموجهات (Routers)، وتحويلات (Switches)، وبالتالي كومبيوترات ترتبط معاً في شبكة واحدة إلا أن إستخدامها لا يزال مقتصراً على قلة من الباحثين، يفيدون حالياً من العمود الفقري لهذا المشروع الكبير: "شبكة أبيلين" (Abilene Network). وما يجعل شبكة Internet 2 مختلفة جداًَ هو سرعتها الفائقة، مستندة إلى الترابط بكابلات متطورة ديناميكية من "الألياف البصرية" (Fiber Optics) فائقة السعة يمكنها نقل بيانات بنحو 10 جيغابايت في الثانية، بل أكثر من ذلك مقارنة بالـ 4 ميغابايت التي نحصل عليها باستخدام موديم الكابل، أي ما معناه أن Internet 2 تنقل البيانات أسرع ما بين مئة إلى ألف مرة عن شبكة الانترنت التقليدية! وترتبط أكثر من 200 جامعة، 70 شركة خاصة منها (AT&T، و Intel، و Cisco Systems، Sun Microsystems)، و 45 وكالة حكومية، و45 منظمة دولية في شبكة internet 2. وعلى المؤسسات الراغبة في الانضمام إلى الشبكة ان تثبت هدفها لتطوير الأبحاث، وان تدفع بعض الرسوم، وأن تلبي أدنى الشروط التقنية أو المتطلبات القانونية كي لا تكون عبئاً يباطئ الإمبراطورية الشبكية الجديدة. وفي ظل إغراء السرعة والقدرات، قام عدد من الطلبة الجامعية يتبادل ملفات موسيقية باستخدام موقع خاص لمشاركة الملفات تابع لشبكة 2 Internet يدعى i2hub.com ما عرّضهم ملاحقات قضائية. وجاء في نصوص الدعوى أن توصيلة Internet 2 تتيح لك "تحميل نسخة عالية الجودة من فيلم Matrix في غضون 30 ثانية فقط"!!
لكن، هل ستحل شبكة Internet 2 مكان التجارة بالملفات الفيديوية والموسيقية؟ ليس كذلك على الارجح، إذ ان المكونات المادية في معظم كومبيوتراتنا المنزلية، كبطاقات التشبيك على سبيل المثال، ليس سريعة بما فيه الكفاية لمجاراة Internet 2. والشبكة ليست مصممة حالياًَ لاستبدال الانترنت مقارنتها بشبكة الابحاث الاولى التي مهدت لقيام الشبكة العالمية (WordWideWeb) وخدمة البريد الإلكتروني E-mail"، الامر الذي سيضعها مستقبلاً في خدمة الجميع... على أمل أن يتاح لنا استخدام بريدها الفائق E-mail 2!
"انترنت 3 (Internet)... بين الكواكب
لكن، ماذا بعد استكمال مشروع إنترنت 2؟ هل سنشهد قريباً "نواة" جامعية لتطوير "إنترنت 3"؟ لا شيء مستحليلاً تحت شمس العلم، ففي ظل هذه الآفاق الكبيرة، يسعى علماء الفضاء إلى توظيف ثورة الاتصالات عبر الانترنت لتطوير المرحلة المقبلة من الشبكة العالمية التي ستنقلنا بعيداً بين كواكب المنظومة الشمسية، وتمهد لإرساء نظام اتصالات يسهل التواصل مع الرحلات الفضائية المأهولة إلى المريخ، او حتى كواكب أخرى، ويجعل من ابعد نقطة في النظام الشمسي على مسافة نقرة فأرة من كومبيوترك الشخصي... وستصبح الكومبيوترات المنتشرة في قواعد ومستعمرات الفضاء متصلة بعضها مع بعض من ناحية، ومع شبكة الانترنت على كوكب الارض من ناحية أخرى. لكن الاتصالات اليوم في الفضاء تتحرك بخطى بطيئة مقارنة بالاتصالات على الارض، وثمة أسباب وراء ذلك: المسافة، فالابعاد على الارض لا تشكل إلا جزءاً صغيراً من الثانية من سرعة الضوء، ما يجعل الاتصالات على الارض عبر الانترنت فورية تقريباً. لكن مع انتقالنا بعيداً في الفضاء، ثمة تأخير يقاس بالدقائق او الساعات حيث يتعين على الضوء أن يقطع ملايين الكيلومترات بدلاً من الآلاف منها ما بين أجهزة الارسال والاستقبال وهناك أيضاً المعوقات التي تعترض الاتصالات عبر الفضاء ما بين أجهزة إرسال الاشارة واستقبالها.
وثمة مشكلة اخرى تتمثل في آن الهوائيات عالية الطاقة التي من شأنها أن تحسن الاتصالات مع مسابير الفضاء بعيدة الغور، عالباً ما تكون ثقيلة يصعب ارسالها في مهمات فضائية واستخدامها على نحو يسير. والفرص باتت كبيرة في ان يتمكن البشر من السفر إلى المريخ قبل نهاية هذا القرن، وبدأ العلماء يفكرون منذ اليوم في سبل الاتصال مع "المسافرين" إلى المريخ ويعمل المهندسون وواضعوا البرامج على تطوير شبكة "انترنت ما بين الكواكب" (Interplanetary Internet) من شأنها ان تصلنا بالمسابير ورواد الفضاء، وتسمح بإرسال مزيد من المعلومات إلى الارض.
وستتيح لنا "الانترنت ما بين الكواكب" السفر نحو الفضاء، بالطريقة ذاتها التي تتيح لنا شبكة الانترنت العادية زيارة أماكن بعيدة دون مغادرة مكاتبنا، فضلاً عن التقنيات التي ستدعم نظام اتصالات فضائي كهذا.
"تشبيك" المنظمومة الشمسية
تمعّن في مهمة الجوال المريخي "باثفايندر" (Pathfinder) في العام 1997، وسرعان ما ستدرك مدى احتياج رواد الفضاء ومستكشفيه إلى "إنترنت كواكبي" لإتاحة اتصالات فضائية بعيدة الغور. فالبيانات بت في الثانية خلال مهمته، ومقارنة بذلك يمكن لكومبيوترك العادي نقل بيانات بسرعة تفوق ذلك 200 مرة. ويمكن لشبكة "إنترنت ما بين المريخ والارض" أن تتيح نقل بيانات بمعدل 11 ألف بت في الثانية. والمعدل هذا يبقى أبطاً بكثير من سرعة الكومبيوتر، إلا أنه كاف لإرسال صور أكثر تفصيلاً لسطح المريخ.
ويعتقد الباحثون العاكفون على وضع تصورات لشبكة المريخ، أن معدل النقل قد يرتقي حتماً إلى نحو 1 ميغابايت في الثانية ما سيتيح بنقل كم هائل من البيانات، وهذا سيسمح لاي منا القيام برحلة افتراضية ثلاثية الابعاد إلى الكوكب الاحمر. وتماثل الانترنت عبر الكواكب المنشودة نظيرتها الارضية على مستوى كبير من بعض التحسينات، وفيما يلي المكونات الرئيسية الثلاثة، لارسال نظام "الانترنت الكواكبي" المقترح:
1- "شبكة اعماق الفضاء" (DSN) التابعة لوكالة الفضاء الاميركية "ناسا" (NASA).
2- مجموعة من 6 أقمار اصصناعية تحيط بالمريخ.
3- بروتوكول جديد لنقل البيانات
شبكة DSN: العمود الفقري
و"شبكة اعماق الفضاء" (Deep Space Network) هي شبكة هوائيات دولية تستخدمها الناسا لتعقب بيانات سفن الفضاء والتحكم بملاحتها ما بين الكواكب، وهي مصممة لإتاحة اتصالات راديوية متواصلة مع المركبات الفضائية. وعلى الرغم من ذلك، فإن مهمات فضاذية حديثة قد فقدت الاتصال مع شكبة DSN، من بينها رحلتا "Mars Climate Orbiter" و "Mars Polar Lander" في العام 1999، وثمة 3 منشآت عالمية، تتوزع في كاليفورنيا واستراليا واسبانيا، تكون معا شبكة DSN، وكل منشأة مزوّدة بهوائي عالي الفعالية بقطر 34 م، و "هوائي مرشد لموجات الاشعة" (3 في كاليفورنيا) بقطر 34م، وهوائي مساند بقطر26م، وهوائي بقطر 70م، وآخر بقطر 11 م. وفي نظام "الانترنت ما بين الكواكب"، يقترح الباحثون توجيه هوائيات شبكة DSN نحو المريخ لربط الارض والكوكب الاحمر لمدة 12 ساعة يومياً على الاقل.ويمكن لأقمار اصطناعية تدور حول المريخ ان توفر اتصالاً بوقت كامل ما بين الكوكبين، فيما يؤمن جوال مريخي، أو مسبار، أو حتى مستعمرة بشرية كما هو متوقع مستقبلاً، بوابة اتصالات مريخية لـ "الانترنت الكواكبي".
اقمار حول المريخ
وفي إطار مخطط "الشبكة المريخية" (Mars Network)، ستتواصل شبكة DSN مع مجموعة من 6 اقمار اصطناعية صغيرة (Microsats) وقمر "مارسات" (Marsat) كبير يتم وضعه في مدار منخفض فوق المريخ. وتخصص الاقمار الصغيرة الستة كمساندة لمركبات الفضاء على سطح المريخ او بالقرب منه، ومن شأنها ان تتيح تلقي المزيد من البيانات من الرحلات إلى الكوكب الاحمر.
أما القمر "مارسات" (Marsat)، فسيجمع بيانات من كل واحد من بين الاقمار الصغيرة ويبثها نحو الارض، كما من شأنه أن يبقى الارض والمركبات الفضائية المتباعدة متصلة على نحو مستمر ويسمح بنقل بيانات وصور فيديوية ذات نطاق عريض فائق للكوكب، كما تعلن "الشبكة المريخية" (Mars Network).
وتخطط الناسا لبدء إطلاق الاقمار الاصطناعية الصغيرة لتستكمل نشرها حول المريخ بحلول العام وضعه العام 2007 في مدار اعلى بقليل من مجموعات الاقمار الصغيرة، وفق تقديرات اولية.
بروتوكول كواكبي
وينكب المبرمجون على تطوير "بروتوكول انترنت" (Internet Protocol Ip) فضائي لنقل الملفات ولتسهيل عملية بث الرسائل وتجاوز التأخير والمعوقات. وسيمثل هذا البروتوكول العمود الفقري للنظام بأكمله، على غرار "بروتوكول الانترنت" (IP)، و"بروتوكول التحكم بالنقل" (TCP) (Transmission Control Protocol) العاملين على الارض. وهذان البروتوكولان اللذان طوّرهما في السبعينيات من القرن العشرين الدكتور فينتون سيرف، يعتبران خدمة التراسل الخاصة بالانترنت الارضية حيث يعملان عى تفكيك وتجمع الرسائل المرسلة بيانية صغيرة ومن ثم توجيهها إلى مقصد محدد.
والدكتور سيرف هو عضو في فريق العلماء الذي يعمل حالياً على تطوير بروتوكول جديد لإتاحة نقل موثوق للملفات عبر المسافات الطويلة ما بين الكواكب والمركبات الفضائية. وهذا البروتوكول الفضائي الجديد من شأنه أن يبقى الانترنت عاملة حتى لو فقدت بعض الرزم البيانية خلال النقل او تعرضت للتأخير، كما من شأنه أن يصد الضجيج الملتقط خلال عبور ملايين الكيلومترات.
ومن بين الأفكار المتبعة في هذا الإطار ما يسمى "بروتوكول نقل الرزم (Parcel Transfer Protocol (PTP)، الذي سيقوم بتخزين ومن ثم توجيه البيانات لدى بوابة الاتصالات الخاصة بكل كوكب، التي تعمل بدورها على تفحص المعلومات ومعالجتها ومن ثم توجيهها مجدداً عبر المسار الذي قدمت منه.
تحديات فضائية
إن "الانترنت ما بين الكواكب" ستسمح بنقل البيانات على نحو اسرع بكثير ما بين الارض والمسابير ومركبات الفضاء وحتى المستعمرات البشرية التي تبعد ملايين الكيلومترات، إلا أنه ينبغي على المهندسين ان يتغلبوا على تحديات كثيرة قبل ان تخطط لرحلتنا الافتراضية إلى المريخ عبر "الفضاء الكومبيوتري (Cyber Space) وتتمثل هذه التحديات في التأخير بفعل عامل سرعة الضوء، وصيانة الاقمار الاصطناعية، واحتمال اختراق القراصنة الذين قد يسببون كارثة إذا ما تدخلوا في عملية الاتصال بالرحلات الفضائية.
وحيث ان الضوء يسافر بسرعة 3000 ألف كلم في الثانية، فإن الامر لا يستغرق بضعة اجزاء من الثانية لإرسال رزمة بيانات من كوبيوتر إلى آخر على الارض. وعلى العكس، فإن المسافات بين محطة على الارض وأخرى على المريخ يمكن ان تكون بين 56 مليون كلم و 400 مليون كلم. وعند هذه المسافات يتطلب الامر بضع دقائق أو حتى ساعات لكي تصل إشارة راديوية إلى محطة استقبال.
وعلى وقع تسارع خطى الابحاث، فإن "الانترنت ما بين الكواكب" ستربطنا بالمريخ في غضون عقد من الزمن، وبالكواكب الاخرى في العقود التي ستلي، ولن يعود من الضروري بعد الان الذهاب نحو الفضاء لاختبار السفر الفضائي، وبدلاًَ من ذلك، سيتم احضار الفضاء إلى شاشة كومبيوترك. وفي ظل اعمال التطوير التي يعمل عليها لتعزيز معدلات نقل البيانات لعل بإمكان عزيزي القارئ ان تتمتع في المستقبل القريب برحلة فضائية افتراضية إلى جبال المريخ، أو حلقات زحل، أو تلك البقعة العملاقة على وجه المشتري... بنقرة فأرة أو الضغط على زر "إدخال" (Enter